إذا تتبعنا تاريخ الكتابة التاريخية في أوروبا فإننا سنلاحظ أنه شهد ثورتين منهجيتين: وسينيوبوس" Charles Seignobos   ( ت 1956 ) أستاذ التاريخ الحديث  و مارك بلوخ Marc Bloch

تنبأ بانهيارها في كتابه " انحطاط الغرب (نشر الجزء الأول منه  1918 ثم الجزء الثاني 1922) ، و ظهر في مجال التاريخ توجه ينتقد التاريخ السياسي و التأريخ للحكومات و الدول ، و يدعو إلى توجيه الاهتمام نحو قضايا أخرى تتعلق بالمجتمع و الاقتصاد و تحرير التاريخ من وصاية السلطة.

( ت 1918) الذي ربط بين البيئة الجغرافية و أنماط العيش و أظهرت العلاقة بين الشرائح الاجتماعية و محيطها الجغرافي ، كما  دعت إلى مقولة المدى الطويل la longue durée عالم الاجتماع الفرنسي  "دوركايم " Emille Durkheim

- ظهور تيار ينتقد المدرسة الوضعية،  اتخذ من   مجلة "السنة السوسيولوجية" " فرانسوا سيميان" François Simiand- revue de synthèse historique la H.Berrسنة 1900 و كانت ملتقى للكثير من المفكرين و علماء الاجتماع و المؤرخين  الذين سينشئون فيما بعد مدرسة الحوليات، يقول فردينان برويدل: " إن هذا الرجل أي هنري بيير هو إلى حد ما الحوليات قبل إنشائها". 

( ت 1920 ) تجمع بين التاريخ و الاقتصاد و السياسة و قضايا اجتماعية مختلفة كالدين و الثقافة ، و هو ما نجده في كتابه " الاقتصاد و المجتمع" أو " الأخلاق البروتستانتية و الرأسمالية " و هذا النوع من الدراسات يعرف بالتاريخ الشامل بعيدا عن التاريخ الحدثي، و هو ما تبناه مؤرخو الحوليات الذين كانت بدايتهم من جامعة ستراسبورغ التي كان أثر الثقافة الألمانية فيها واضحا حتى بعد أن استعادتها فرنسا سنة 1920.

نبهت مؤرخي الحوليات إلى أهمية التأريخ للذهنيات و الأحاسيس في إطار ما يعرف بعلم النفس التاريخي و  الاستعانة بهذا التخصص في تحليل الوثائق التاريخية ومحاولة اكتشاف العواطف و المشاعر المستترة خلف النص التاريخي. 

: تأسست هذه المدرسة على يد كل من  :

( 1886- 1944) تابع دراسته الجامعية في بعض الجامعات الألمانية ، كان أستاذا بجامعة ستراسبورغ من أعماله : " السمات الأصلية للتاريخ الريفي الفرنسي من القرن 11إلى القرن 18 " ( 1931) و المجتمع الإقطاعي ( 1936) كتب سنة 1941 " تمجيد التاريخ : مهنة المؤرخ" و هو رد على كتاب مدخل إلى الدراسات التاريخية " لسينيوبوس و لانغلوا . اعتقلته القوات النازية و أعدمته سنة 1944. 

( 1878- 1956)  التحق بجامعة ستراسبورغ سنة 1919 كأستاذ ثم مدرسا بكولاج دو فرونس  collège de France ( 1902- 1985)   عمل في الجزائر لفترة تمتد من 1923 – 1932 و فيها اكتشف المتوسط بضفتيه ، كان قد عزم على إنجاز أطروحة بعنوان " سياسة فيليب الثاني المتوسطية"  لكن لوسيان فيفر أشار عليه بأن يغير العنوان إلى " المتوسط في عهد فيليب الثاني "  فبعدما كان محور الأطروحة شخصية فيليب الثاني أصبح  المتوسط هو محورها، و قد فرض عليه هذا التغيير بذل جهد كبير استمر أكثر منى خمس عشرة سنة ، لتصدر لأول مرة سنة 1949 ثم 1966 في 1160 صفحة  ثم في طبعة أخرى في 1222  و هي الطبعة الأخيرة و التي ترجمت إلى عدة لغات ( 25 لغة ) تولى بروديل رئاسة تحرير مجلة الحوليات بعد " لوسيان فيفر". و من مؤلفاته أيضا  " الحضارة المادية و الاقتصاد و الرأسمالية من القرن 15 إلى القرن 18 ( 1980)  و يصنف بروديل من الجيل الثاني

و بيار غوبار Pierre Goubert  و مارك فيرو Marc Ferro و برنار لوبتي Bernard LePetit4 - نبذة تاريخية عن مجلة الحوليات :

1942-1944 ثم "حوليات التاريخ الاجتماعي مرة أخرى عام 1945 و أخيرا اسم " الحوليات : اقتصاديات – مجتمعات- حضارات منذ عام 1946، و من أعضاء المجلة الأوائل فرانسوا سيميانFrançois Simiand خلال هذه الفترة  كان بروديل يلعب دورا رئيسيا في مجلة الحوليات من حيث التوجيه و الإرشاد، بعد هذه السنة برزت مساهمة مؤرخين جدد انظموا إلى لجنة تحرير المجلة منهم : جاك لوغوف Jacques Le Goff و " فيرو " M. Ferro:

(ت 2005) وصف"الواقعة الاجتماعية الشاملة" Fait Social Total

رفعت مدرسة الحوليات شعار التاريخ الجديد أي التاريخ الذي يهتم بتاريخ المجتمعات و الذهنيات و الاقتصاد و تاريخ الفئات المهمشة بدل التركيز على التاريخ السياسي و العسكري و تاريخ المشاهير و الزعماء، و هو ما تشترك فيه مع المدرسة البنيوية، وقفت ضد التاريخ القومي الذي استخدم سلاحا لمواجهة الألمان ، و أعطت أهمية للتاريخ المعاصر.

6 -  مدرسة الحوليات و مفهوم الزمن الطويل :   مفهوما جديدا للزمن  حيث قسمه إلى ثلاثة أقسام :

 و هو زمن الأمد القصير المتعلق بالتاريخ الوقائعي المهتم بالتأريخ للأفراد و الحكومات و الأحداث السياسية و العسكرية أي الزمن الذي يتحرك على السطح. و قد عالجه في القسم الثالث من كتابه  " المتوسط و العالم المتوسطي "  و خصه لدراسة الصراع التركي الإسباني.

7. 1- مدرسة الحوليات في مرحلة التألق : Jacques Le Goff)، فرونسوا فوريه ( François Furet

 - تولي الكثير من أتباع الحوليات مناصب حساسة في المؤسسات الثقافية و الإعلامية. (  بيار نورا ) أصبح  مدير لمكتبة التاريخ في مؤسسة غاليمار) ، و السيطرة على مجلة التاريخ التي كانت تصدرها مؤسسة ، إلى جانب  الحضور لقوي لمؤرخيها في مختلف وسائل الإعلام . لقد عرفت مدرسة الحوليات عصرها الذهبي مع نهاية الستينات و كان لفردناند بروديل دورا مهما في ذلك بفضل المفاهيم الجديدة التي أدخلها في مجال الدراسات التاريخية. و بداية من السبعينات عندما تولى الإشراف على مجلة الحوليات جيل جديد من المؤرخين أمثال : أندري بورغيار، و إيمانويل لورا لادوري، و مارك فيرو، و جاك لوغوف...عرفت مزيدا من الانفتاح على العلوم الإنسانية و الاجتماعية حيث  أبدت  اهتماما بتاريخ العقليات و الأنثربولوجيا التاريخية ، و أنجز مؤرخوها   دراسات عن الدين، و المخيال، و الخوف و الطقوس الدينية، و قد أطلق على هذه الظاهرة  اسم  التاريخ الجديد. Jacques Le Goff و مارك فيرو Marc Ferro 

7. 2- مدرسة الحوليات في مرحلة الأزمة :   درسا افتتاحيا بعنوان التاريخ الراكد ، و هو ما يتناقض مع  تعريف مؤسسا المجلة فافر و بلوخ  للتاريخ على أنه علم التغير الدائم، و بداية من الثمانينات ظهرت انتقادات للتاريخ الجديد من داخل مدرسة الحوليات ، فقد تحدث بيار نورا ( ولد 1931) عن التاريخ المتشظي، و بدا يبتعد عن الحوليات سنة 1980 و أنشأ مجلة جديدة باسم الحوار Débat يثير تساؤلات حول معنى التاريخ الجديد ، كما تخلى فرانسوا فوريه عن رئاسة مدرسة الدراسات العليا سنة 1985 و هو ما يعني تقليص دور و تأثير  مدرسة الحوليات في هذه المؤسسة. الصادر سنة 1987.

ظهر تيار داخل مدرسة الحوليات  تزعمه جاك لوغوف يدافع عن المدرسة العتيدة و ينفي وجود أزمة  ، لكن بعد عشر سنوات من صدور الكتاب ، تبين جليا ان التاريخ الجديد يعيش فعلا أزمة ، تتمثل في فقدان التاريخ لهويته بعد أن امتزج بالعلوم الإنسانية الأخرى Pierre Vilar فقد قال أن التاريخ الجديد أصبح قديما. ( ت1996 ) من الجيل الرابع من الحوليات) نموذجا فكريا جديدا ( paradigme 2 إعادة الاهتمام بالأفراد المؤثرين في التاريخ، و هذا يعني التحرر من النزعة البنيوية التي تركز على المجتمع و تهمل الفرد و وعيه.

 4 إعادة الاعتبار للسير الأفراد العاديين و التاريخ الفردي منذ1980و هذه بعض الإحصائيات المتعلقة بالمؤلفات التي تناولت البيوغرافيا في فرنسا: 1985: حوالي 200. 1996: 611، سنة 1999: 1043، بالإضافة إلى السير الذاتية.و لا بد من الإشارة إلى أن الحوليات لم تعادي كتابة السير حتى في عهد الجيل الأول فقد كتب لوسيان فيفر يوغرافية عن " لوثر" . و ما يستخلص من هذا التحول أن هناك عودة إلى التاريخ في صيغته القديمة التي عرفت في القرن التاسع عشر، حماية للتاريخ من الذوبان في العلوم الاجتماعية.