) صاحب كتاب " الأبطال و عبادة البطولة" - ترجمة محمد السباعي- من أشهر المدافعين عن دور البطل في صنع التاريخ، بل إن تاريخهم كما يرى هو مخ تاريخ العالم و روحه، و البطل في نظره متعدد الأوجه و لا يقتصر فقط على البطل السياسي أو العسكري، فقد يكون البطل نبيا مثل النبي محمد ( صلى الله عليه و سلم)  و قد يكون شاعرا مثل دانتي1265-1321 (Dante )  في كتابه البطل و التاريخ . و يمكن أن نحدد الاعتراضات الموجهة لكارليل في النقاط الآتية:  النشار

( 1874-1965) ، الذي كان وراء الانتصارات الباهرة التي حققتها بلاده ضد ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية، رغم ذلك خسر حزبه الانتخابات العامة التي جرت مباشرة بعد الحرب، و نفس الموقف اتخذه الشعب الفرنسي من ديغول محرر فرنسا من الغزو النازي فقد تحول إلى المعارضة، و أسس حزب "تجمع الشعب الفرنسي" سنة 1947 ، و خسر انتخابات سنة 1953 ، و في سنة 1968 حدثت في فرسنا انتفاضة عامة  ضد سياسته قادها الطلاب و انضمت إليها باقي الفئات، و في أفريل من السنة الموالية رفض الفرنسيون الإصلاحات الدستورية التي اقترحها ، و هو الأمر الذي أدى به إلى تقديم استقالته كرئيس للجمهورية.

2- البطل من صنع الشعوب و المجتمعات أو نظرية الحتمية الاجتماعية :

ظهر مفكرون آخرون و إن اتفقوا مع النظرية السابقة حول دور البطل إلا أنهم لم يوافقوا على كونه المؤثر الأساسي و الفعال في توجيه مسار الأحداث التاريخية، فالاتجاه العام للأحداث تتحكم فيه القوى الفعالة في المجتمع ، الصانعة  للتاريخ ، في إطار حتمية الاستجابة لمتطلبات اجتماعية سياسية أو اقتصادية ، أو روحية فكرية، و البطل نفسه ما هو إلا نتيجة منطقية لتلك القوى و صنيعة طبيعية للمجتمع الذي ينتمي إليه، و لو لا وجود ظروف مواتية لما برز الزعيم أو البطل.

لا يؤمن أصحاب هذا الرأي  بوجود البطل المعجزة، أو الزعيم الملهم، و ينتقدون تمجيد الأشخاص و يصفونه بالسذاجة ، و  دليل على غياب الوعي التاريخي، و انسياق وراء المشاعر و العواطف. 

تتفرع نظرية الحتمية الاجتماعية إلى نوعين :

أ‌-      نظرية الحتمية الاجتماعية العقلية :

أخذ بها الفيلسوف الألماني هيجل ( ت 1831 ) الذي يرى أن مسار التاريخ في أي مجتمع انعكاس لدهاء العقل و الروح الميتافيزيقية التي تعبر حتما عن حركتها من خلال البطل ، فتكون أفعاله تجسيدا لإرادة الروح ، بفضل إدراكه و نظرته الاستشرافية.

ب‌- نظرية الحتمية الاجتماعية المادية : 

تبنتها الماركسية ، التي تعتبر شكل الإنتاج الاقتصادي و صراع الطبقات المحرك الأساسي للتاريخ ، مسار التاريخ و ظهور الأبطال إنما تتحكم فيه الضرورة الاقتصادية ، من خلال التعارض بين قوى الإنتاج و العلاقات الإنتاجية و أشكال الملكية ، مما يجعل الأمة تواجه عقبات اقتصادية ، تتطلب تدخل الأفراد لإزالتها استجابة لضرورة تاريخية ، و التدخل يكون أولا عن طريق رجل الفكر الذي يجعل الناس مستعدين ذهنيا لتحولات جذرية و ثورية ،بعدها يتدخل "رجل الفعل" أو رجل الميدان للنضال، و بفضل تضافر جهود الرجلين تتم إزالة التناقضات الاجتماعية و الاقتصادية  و تتحرر طبقة العمال ، مما يؤدي إلى تحقيق حاجات المجتمع و تطلعاته.

2 .1- نقد نظرية الحتمية الاجتماعية عموما  :

أثيرت حول هذه النظرية بعض التساؤلات أو الاعتراضات. و منها أن أصحابها  لم يبينوا فيما  إذا كان ظهور الأبطال و الزعماء ضرورة و حتمية تسبقها الحاجات الاجتماعية و الأزمات. كما أن النظرية الماركسية تبدو متعارضة مع تاريخ الاتحاد السوفياتي ، فهل كان هذا البلد سيعرف مسارا مماثلا لو لم توجد شخصية مثل لينين أو استالين؟ يبدو أنه من الصعب تصور ذلك حتى مع توفر كل الظروف الاجتماعية و الاقتصادية لبروز البطل، فكيف نفسر هذا الأمر؟ . و مما يعاب على نظرية الحتمية أنها جعلت من الفرد إنسانا مسلوب الإرادة خاضع للقوى التاريخية ، و المؤرخون يعتقدون أنه من الصعب أن نتصور أن شخصا آخر يمكن أن يحقق الانتصارات العسكرية التي حققها نابوليون ، خاصة و قد ثبت تاريخيا أن المعارك التي غاب فيها كان مآلها لفشل ( في مصر و موسكو) .

            للخروج من الإشكالات التي يثيرها هذا الموضوع يمكن التنبيه إلى ضرورة عدم المبالغة في تقدير دور البطل و الزعيم ، و وجوب التمييز بين إنجازات الشخص و إنجازات العصر، التي تأخذ صبغة حضارية ، فهي نتيجة لتضافر عدة عوامل  فكرية و سياسية و اقتصادية. و هذا التمييز يمكننا من إنصاف البطل دون مبالغة أو إجحاف. فخلال القرن التاسع عشر عندما عرف العالم حركة استعمارية عارمة ظهر قادة عسكريون و سياسيون داخل إطار هذه الحركة، و كذلك الأمر بالنسبة لزعماء حركة التحرر فق ظهروا عقب الحرب العالمية الثانية و هي الفترة التي عرفت موجة تحرر عارمة، نتيجة اختلال ميزان القوة في العالم و الظروف الاقتصادية الصعبة التي عرفتها الدول المستعمِرة، لذلك يمكن أن نقول أن التحرر كان سمة من سمات العصر و إنجازاته لا الزعامات.